وليد.. الذي ساقوه إلى المشنقة:
2010/05/03 - 11:19
{ كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً، وكان اليوم أربعاء، (أربعاء وعقاب شهر) الأربعاء 28/4/2010م، هذا الميقات المشؤوم، عندما اتصل بي أحد الأخوان.. يا أستاذ إنت وين؟.. وقبل أن أرد على سؤاله.. أردف قائلاً: (إدارة السجن أخطرتنا قبل قليل بأن حكم الإعدام سينفّذ عند الثالثة ظهراً)، كاد مقود العربة أن يفلت من قبضة يدي، وأنا أشق طريقي بصعوبة إلى مكاتب الصحيفة، ارتباك وازدحام حركة السير منحتني فرصة لالتقاط أنفاسي لأسترجع (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وكانت الصدمة التي طالت الجميع هي بسبب أن مسارات الصلح التي تقودها أكثر من جهة قد أعطتها أملاً، بألا محالة سيحدث صلح وستفلت رقبة (وليد) من حبل المشنقة، وما لا يدركه الكثيرون من الأهل بأن الأمور في الأسبوعين الأخيرين قد تدهورت بصورة دراماتيكية، أعنى أمور الصلح والعفو من قِبل أسرة القتيل، وتعود هذه القصة المؤلمة إلى قبل عامين، عندما سدّد ابننا المرحوم (وليد فضل الله) طعنات قاتلة إلى زميله، وذلك على إثر استفزازات متلاحقة تعرّض لها، فأرداه قتيلاً ومن ثم أخذ سكينته التي تسيل منها الدماء وذهب لشرطة قسم شمبات القريب من مكان الحادث وسلّم نفسه، إذن.. قد وقع الحادث تحت تأثير بركان من الغضب، ولبث المرحوم الفقيد (وليد) عامين بسجن كوبر، وكنا في كل زيارة للسجن نحمل له بعض البشريات، بأن عمليات الصلح هي في اللمسات الأخيرة، كنا نمنحه بعض الأمل، وكان في كل مرة يقابلنا بقوله (البسويه الله كلو سمح)، كما لو أنه يدرك حقيقة هذه المسارات، كان القتيل ينتمي إلى بادية كردفان، ويحل أهله في قرية قريبة من (خلاوي الشيخ أبو عِزة)، رجل المسائد والخلاوي والمساجد، حيث وظّف الأخ (كمال الجابك الله)، الذي تجمعه علاقات مميزة بمشائخ تلك المناطق، وظّف كل علاقاته السمحة الممتدة لأجل الظفر بعفو، من قِبل أهل القتيل، خاصة وأن هذا النزاع لم يرتكز على قضية ذات بال تستحق إقامة حد القصاص، وبذل الشيخ أبو عزة - وهذا للأمانة والتاريخ - أقصى ما يمكن أن يبذله شيخ ومُصلح اجتماعي، وحتى إذا ما وصلت الأمور إلى بر الأمان، وأوشك أهل القتيل أن يقبلوا الدية، والتي كانت جاهزة بيد مناديبنا، وأي دية.. إنها الدية المغلّظة على افتراض أن المرحوم القتيل له أطفال قُصّر، لينهض بعد ذلك أحدهم ويقول لأفراد الأسرة.. (كيف يطيب لكم أن تبيعوا دم ابنكم)، فانقلب القوم أعقابهم! ليضطر ابننا كمال الذي قاد جهود الصلح لمدة عامين ليقف ويقول لهم، بعد أن تبددت كل الآمال أمامه، (هذا كفن ابننا بين يدي.. إن شئتم عفوتم وإن شئتم طالبتم بالقصاص.. ولن نعود إليكم ثانية)!
{ قلت.. كنت أشق طريقي بصعوبة وسط الزحام وتحت تأثير هذا النبأ الباهظ، ثم أتلقى نبأ آخر من الأستاذ المحامي معاوية عابدين بأنهم بالمحكمة العليا ومحاولة أخيرة لتأجيل التنفيذ لافساح الطريق لمزيد من المساعي، ثم مكالمة أخرى من بعض الأخوان المرابطين بسجن كوبر، بأن إدارة السجن أمرتهم بتجهيز (عربة للجثمان). وكنا بعد ساعة نسير بالجثمان إلى (مثواه المصير) ولا أقول الأخير، لأن هنالك حياة أخرى هي الأبقى، ونسأل الله أن يكون في إقامة (حد القصاص) رحمة ومغفرة وكفارة وطهارة له.
{ وكان العزاء أن وليداً قد ذهب إلى حبل المشنقة كما يذهب الأبطال، بعد اعتكاف (وتهيئة) لمدة عامين بهذا السجن الاصلاحي، وكنا نطمع أن يذهب أهل الفقيد الأول بقيمة العفو ويشرفوا شيوخهم (ويبيّضوا وجوههم)، وينقلبوا بالأجر الوفير والخير الكثير، لكنه أمر الله ودينه.. «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ».
2010/05/03 - 11:19
{ كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً، وكان اليوم أربعاء، (أربعاء وعقاب شهر) الأربعاء 28/4/2010م، هذا الميقات المشؤوم، عندما اتصل بي أحد الأخوان.. يا أستاذ إنت وين؟.. وقبل أن أرد على سؤاله.. أردف قائلاً: (إدارة السجن أخطرتنا قبل قليل بأن حكم الإعدام سينفّذ عند الثالثة ظهراً)، كاد مقود العربة أن يفلت من قبضة يدي، وأنا أشق طريقي بصعوبة إلى مكاتب الصحيفة، ارتباك وازدحام حركة السير منحتني فرصة لالتقاط أنفاسي لأسترجع (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وكانت الصدمة التي طالت الجميع هي بسبب أن مسارات الصلح التي تقودها أكثر من جهة قد أعطتها أملاً، بألا محالة سيحدث صلح وستفلت رقبة (وليد) من حبل المشنقة، وما لا يدركه الكثيرون من الأهل بأن الأمور في الأسبوعين الأخيرين قد تدهورت بصورة دراماتيكية، أعنى أمور الصلح والعفو من قِبل أسرة القتيل، وتعود هذه القصة المؤلمة إلى قبل عامين، عندما سدّد ابننا المرحوم (وليد فضل الله) طعنات قاتلة إلى زميله، وذلك على إثر استفزازات متلاحقة تعرّض لها، فأرداه قتيلاً ومن ثم أخذ سكينته التي تسيل منها الدماء وذهب لشرطة قسم شمبات القريب من مكان الحادث وسلّم نفسه، إذن.. قد وقع الحادث تحت تأثير بركان من الغضب، ولبث المرحوم الفقيد (وليد) عامين بسجن كوبر، وكنا في كل زيارة للسجن نحمل له بعض البشريات، بأن عمليات الصلح هي في اللمسات الأخيرة، كنا نمنحه بعض الأمل، وكان في كل مرة يقابلنا بقوله (البسويه الله كلو سمح)، كما لو أنه يدرك حقيقة هذه المسارات، كان القتيل ينتمي إلى بادية كردفان، ويحل أهله في قرية قريبة من (خلاوي الشيخ أبو عِزة)، رجل المسائد والخلاوي والمساجد، حيث وظّف الأخ (كمال الجابك الله)، الذي تجمعه علاقات مميزة بمشائخ تلك المناطق، وظّف كل علاقاته السمحة الممتدة لأجل الظفر بعفو، من قِبل أهل القتيل، خاصة وأن هذا النزاع لم يرتكز على قضية ذات بال تستحق إقامة حد القصاص، وبذل الشيخ أبو عزة - وهذا للأمانة والتاريخ - أقصى ما يمكن أن يبذله شيخ ومُصلح اجتماعي، وحتى إذا ما وصلت الأمور إلى بر الأمان، وأوشك أهل القتيل أن يقبلوا الدية، والتي كانت جاهزة بيد مناديبنا، وأي دية.. إنها الدية المغلّظة على افتراض أن المرحوم القتيل له أطفال قُصّر، لينهض بعد ذلك أحدهم ويقول لأفراد الأسرة.. (كيف يطيب لكم أن تبيعوا دم ابنكم)، فانقلب القوم أعقابهم! ليضطر ابننا كمال الذي قاد جهود الصلح لمدة عامين ليقف ويقول لهم، بعد أن تبددت كل الآمال أمامه، (هذا كفن ابننا بين يدي.. إن شئتم عفوتم وإن شئتم طالبتم بالقصاص.. ولن نعود إليكم ثانية)!
{ قلت.. كنت أشق طريقي بصعوبة وسط الزحام وتحت تأثير هذا النبأ الباهظ، ثم أتلقى نبأ آخر من الأستاذ المحامي معاوية عابدين بأنهم بالمحكمة العليا ومحاولة أخيرة لتأجيل التنفيذ لافساح الطريق لمزيد من المساعي، ثم مكالمة أخرى من بعض الأخوان المرابطين بسجن كوبر، بأن إدارة السجن أمرتهم بتجهيز (عربة للجثمان). وكنا بعد ساعة نسير بالجثمان إلى (مثواه المصير) ولا أقول الأخير، لأن هنالك حياة أخرى هي الأبقى، ونسأل الله أن يكون في إقامة (حد القصاص) رحمة ومغفرة وكفارة وطهارة له.
{ وكان العزاء أن وليداً قد ذهب إلى حبل المشنقة كما يذهب الأبطال، بعد اعتكاف (وتهيئة) لمدة عامين بهذا السجن الاصلاحي، وكنا نطمع أن يذهب أهل الفقيد الأول بقيمة العفو ويشرفوا شيوخهم (ويبيّضوا وجوههم)، وينقلبوا بالأجر الوفير والخير الكثير، لكنه أمر الله ودينه.. «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ».